
DimaBerlin/ Shutterstock
فرانسيس ماكغلون, جامعة ليفربول جون مورز وسوزانا ووكر, جامعة ليفربول جون مورز
بالنسبة للعديد من الأشخاص، فإن أكثر ما فاتهم خلال الوباء هو القدرة على معانقة أحبائهم. في الواقع، لم يدرك الكثيرون مدى أهمية اللمسة بالنسبة للعديد من جوانب صحتنا – بما في ذلك صحتنا العقلية، إلا بعد أن فقدنا قدرتنا على معانقة الأصدقاء والعائلة.
ولكن الآن بعد أن بدأت برامج اللقاحات في الظهور وبدأت القيود في التخفيف في معظم أنحاء المملكة المتحدة، سيحرص الكثير من الناس على العناق مرة أخرى. والخبر السار هو أن العناق ليس فقط شعوراً جيداً – بل له أيضاً العديد من الفوائد الصحية.
إن السبب الذي يجعل العناق وراء الشعور بالرضا يتعلق بإحساسنا باللمس. إنه شعور بالغ الأهمية يسمح لنا ليس فقط باستكشاف العالم من حولنا جسدياً، ولكن أيضاً للتواصل مع الآخرين من خلال إنشاء الروابط الاجتماعية والحفاظ عليها.
إن اللمس يتكون من نظامين متميزين. الأول هو “اللمس السريع”، وهو نظام من الأعصاب يسمح لنا باكتشاف الاتصال بسرعة (على سبيل المثال، إذا حطت ذبابة على أنفك، أو لمست شيئاً ساخناً). أما النظام الثاني فهو “اللمس البطيء”. وهو عبارة عن مجموعة من الأعصاب المكتشفة حديثاً، تسمى الوصلات اللمسية (c-tactile afferents)، والتي تعالج المعنى العاطفي للمس.
لقد تطورت هذه الوصلات اللمسية بشكل أساسي لتصبح “أعصاب عناق” ويتم تنشيطها عادةً عن طريق نوع محدد جداً من التحفيز: لمسة لطيفة على درجة حرارة الجلد، وهو النوع النموذجي للعناق أو المداعبة. فنحن نرى الوصلات اللمسية على أنها مرحلة إدخال عصبية في الإشارة إلى جوانب مكافأة وممتعة للتفاعلات الاجتماعية اللمسية مثل المعانقة والتلامس.
اللمس هو أول حاسة لبدء العمل في الرحم (حوالي 14 أسبوعاً). فمنذ لحظة ولادتنا، يكون لللمداعبة اللطيفة من الأم بفوائد صحية متعددة، مثل خفض معدل ضربات القلب وتعزيز نمو اتصالات خلايا الدماغ.
وعندما يعانقنا شخص ما، فإن تحفيز الوصلات اللمسية في جلدنا يرسل إشارات، عبر الحبل الشوكي، إلى شبكات معالجة المشاعر في الدماغ. وهذا يحفز سيل من الإشارات الكيميائية العصبية، والتي أثبتت فوائدها الصحية. كما إن بعض المواد الكيميائية العصبية تتضمن هرمون الأوكسيتوسين (oxytocin)، الذي يلعب دوراً مهماً في الترابط الاجتماعي، ويبطئ معدل ضربات القلب ويقلل من مستويات التوتر والقلق. كذلك فإن إطلاق الإندورفين (endorphins) في مسارات المكافأة في الدماغ يدعم الشعور الفوري بالسعادة والرفاهية المستمدة من العناق أو المداعبة.

Mladen Zivkovic/ Shutterstock
للعناق تأثير مريح ومهدئ لدرجة أنه يفيد صحتنا أيضاً بطرق أخرى.
يحسن نومنا:
من فوائد النوم المشترك مع الأطفال إلى احتضان شريكك، من المعروف أن اللمسة اللطيفة تنظم نومنا، لأنها تخفض مستويات هرمون الكورتيزول (cortisol). إن الكورتيزول هو المنظم الرئيسي لدورة النوم والاستيقاظ لدينا ولكنه يزداد أيضاً عندما نشعر بالتوتر. لذلك فلا عجب أن تؤدي المستويات المرتفعة من التوتر إلى تأخير النوم والتسبب في أنماط نوم متقطعة أو أرق.
يقلل من التفاعل مع الإجهاد:
بالإضافة إلى المشاعر المهدئة والممتعة التي يوفرها العناق، فإن اللمسة الاجتماعية لها أيضاً فوائد طويلة المدى لصحتنا، مما يجعلنا أقل تفاعلاً مع التوتر ويؤدي الى بناء المرونة.
تعمل لمسة الرعاية، خلال فترات النمو المبكرة، على إنتاج مستويات أعلى من مستقبلات الأوكسيتوسين ومستويات أقل من الكورتيزول في مناطق الدماغ التي تعتبر حيوية لتنظيم المشاعر. فالرضع الذين يتلقون مستويات عالية من اتصال الرعاية يكبرون ليكونوا أقل تفاعلاً مع الضغوطات ويظهرون مستويات أقل من القلق.
يزيد من الرفاهية والمتعة:
عبر حياتنا، يعمل التلامس الاجتماعي على ربطنا معاً ويساعد في الحفاظ على علاقاتنا. كما لوحظ، وهذا لأنه يطلق الإندورفين، مما يجعلنا نرى العناق واللمس كمكافأة. يوفر التلامس “الصمغ” الذي يجمعنا معاً، ويدعم صحتنا الجسدية والعاطفية.
وعندما يكون اللمس مرغوباً فيه، تتم مشاركة الفوائد بين كلا الشخصين بالتبادل. في الواقع، حتى التمسيد على حيوانك الأليف يمكن أن يكون له فوائد على الصحة والرفاهية – مع زيادة مستويات الأوكسيتوسين في كل من الحيوان الأليف وصاحبه.
يمكن أن يساعدنا في مكافحة العدوى:
من خلال تنظيم هرموناتنا – بما في ذلك الأوكسيتوسين والكورتيزول – يمكن أن يؤثر اللمس والعناق أيضاً على الاستجابة المناعية للجسم. في حين أن المستويات العالية من التوتر والقلق يمكن أن تكبح قدرتنا على مكافحة العدوى، فإن العلاقات الوثيقة والداعمة تفيد الصحة والرفاهية.
وتشير الأبحاث إلى أن الاحتضان في السرير يمكن أن يحمينا من نزلات البرد. من خلال رصد وتيرة العناق بين ما يزيد قليلاً عن 400 من البالغين الذين تعرضوا بعد ذلك لفيروس البرد الشائع، وجد الباحثون أن “المعانقين” يسيطرون بشكل كبير على كونهم أقل عرضة للإصابة بنزلة برد. وحتى لو أصيبوا، فقد ظهرت عليهم أعراض أقل حدة.
تعانقوا
في حين أنه من المهم أن نستمر في الحفاظ على سلامتنا، من المهم بنفس القدر ألا نتخلى عن العناق إلى الأبد. فمن المعروف أن العزلة الاجتماعية والشعور بالوحدة يزيدان من فرصنا في الموت المبكر – وربما ينبغي أن تتحرى الأبحاث المستقبلية ما إذا كان الافتقار إلى العناق أو التلامس الاجتماعي هو السبب وراء ذلك. إن اللمس هو غريزة مفيدة في كل مكان لصحتنا العقلية والجسدية – لذلك يجب أن نحتفل بعودتها.
بالطبع، لا يتوق الجميع إلى العناق. لذلك بالنسبة لأولئك الذين لا يفعلون ذلك، لا يوجد سبب للقلق بشأن فقدان فوائد العناق – حيث أن منح نفسك عناقاً قد ثبت أيضاً أنه ينظم العمليات العاطفية ويقلل من التوتر.
فرانسيس ماكغلون، أستاذ في علم الأعصاب، جامعة ليفربول جون مورز وسوزانا ووكر، محاضرة أوىل، العلوم الطبيعية وعلم النفس، جامعة ليفربول جون مورز
يتم إعادة نشر هذه المقالة من شبكة The Conversation تحت ترخيص المشاع الإبداعي. قراءة المادة الأصلية.