ما تزال فيروسات الإنفلونزا تُمثّل تهديدًا كبيرًا للصحة العامة. وتُعد الوظيفة الأهم لتطعيمات الإنفلونزا الموسمية التي يتلقاها البشر هي تحفيز الخلايا البائية الذاكرة الموجودة لديهم بالفعل، التي تتمايز متسبِّبة في زيادة عابرة للأرومات البلازمية السارية في الدم، التي تفرز أجسامًا مضادة.
وتسهم هذه الاستجابة القائمة على الذاكرة المناعية فيما يُطلِق عليه العلماء “الخطيئة المستضدية الأصلية”، وفيها تحدث زيادة انتقائية لأنواع من الأجسام المضادة التي يُحفَّز إفرازها نتيجة تعرُّض الجسم سابقًا لمستضدات فيروسات الإنفلونزا، بيد أنه ما زال مبهَمًا ما إذا كان بإمكان تطعيم كهذا أن يؤدي كذلك إلى تحفيز تفاعلات في المركز الجرثومي داخل العقد الليمفاوية المُصرِّفة، أم لا، حيث يمكن للخلايا البائية التي يجري حشدها أن تنضج وتتنوع.
وفي البحث المنشور، استخدم الباحثون تقنية الشفط بإبرة دقيقة مُوجَّهة بالموجات فوق الصوتية، بغرض جمع سلسلة من عينات العقد الليمفاوية المُصرِّفة، والبحث في ديناميكيات الاستجابات المناعية الخاصة بالخلايا البائية الموجودة في المركز الجرثومي عند البشر، وفي تخصص هذه الاستجابات، وذلك لدى أشخاص تلقوا تطعيمًا ضد الإنفلونزا. وقد أمكن رصد خلايا بائية موجودة في المركز الجرثومي ترتبط بلقاح الإنفلونزا في وقت مبكر لم يتجاوز أسبوعًا واحدًا بعد تلقي التطعيم. كما رصد الباحثون عند ثلاثة من المشاركين الثمانية في الدراسة وجود خلايا بائية ترتبط باللقاح حتى مدة تصل إلى تسعة أسابيع بعد تلقي التطعيم. واتضح أيضًا أن نسبة تتراوح ما بين 12% و88% من مستنسخات الخلايا البائية التي أظهرت استجابة مناعية في المركز الجرثومي تداخلت مع الخلايا البائية المرصودة في أوساط الأرومات البلازمية التي وُجدت في الدم في مراحل مبكرة.
وقد اتسمت مستنسخات الخلايا البائية هذه المشتركة بين المركز الجرثومي والأرومات البلازمية بمعدل مرتفع من تواتر التطفّر الجسدي المفرط، كما أنها كانت تُرمِّز أجسامًا مضادة أحادية النسيلة متصالبة التفاعل إلى حد كبير. وعلى النقيض من ذلك.. فإن مستنسخات الخلايا البائية المُستحثَّة عن طريق اللقاح، والمرصودة في حيز المركز الجرثومي فقط أظهرت معدلات أقل بكثير من تواتر التطفّر الجسدي المفرط، وكانت تُرمِّز -في الغالب- أجسامًا مضادة أحادية النسيلة تستهدف سلالات فيروسية محددة، وهو ما يشير إلى أنها تنحدر من خلايا بائية ساذجة.
وقد تَعَرَّف بعضٌ من هذه الأجسام المضادة أحادية النسيلة التي تستهدف سلالات فيروسية محددة على محدِّدات مستضدية لم تستهدفها استجابة الأرومات البلازمية المبكرة. وبناء على ذلك، يمكن أن يؤدي التطعيم ضد فيروسات الإنفلونزا عند البشر إلى إثارة تفاعل في المركز الجرثومي يحشد مستنسخات خلايا بائية يمكنها استهداف محدِّدات مستضدية جديدة، وبالتالي توسيع نطاق أنواع الأجسام المضادة الواقية التي تُستحث من خلال تلقّي اللقاح.