ريتشارد هوفمان, جامعة هيرتفوردشاير
لقد تجاوز سرطان الثدي الآن سرطان الرئة باعتباره أكثر أنواع السرطان شيوعًاً في العالم، وكسبب رئيسي للوفيات المرتبطة بالسرطان للنساء في العديد من البلدان. وفي حين أن الجينات يمكن أن تزيد بالتأكيد من خطر الإصابة بالمرض، فإن عوامل نمط الحياة بالنسبة لمعظم النساء، مثل الكحول أو زيادة الوزن أو السمنة، لها تأثير أكبر على الإصابة بسرطان الثدي. والآن، حددت دراستان منفصلتان، نشرتا في عام 2020، حليب البقر كعامل خطر محتمل آخر لسرطان الثدي.
الدراسة الأولى، التي تناولت 33780 امرأة سويدية منذ عام 1997، وجدت أن حوالي 300 مل من حليب البقر يومياً (ما يعادل كوباً كبيراً) زاد من خطر الإصابة بسرطان الثدي بنحو الثلث مقارنة بالنساء اللائي لم يشربن الحليب.
أما الدراسة الثانية، فقد كانت من الولايات المتحدة، ونظرت في 52795 حالة خلال فترة ما يقرب من ثماني سنوات ووجدت أن النساء اللائي شربن حوالي 300 مل من الحليب يومياً كان لديهن خطر متزايد للإصابة بسرطان الثدي بنسبة 50٪ مقارنة بأولئك اللائي شربن القليل جداً من الحليب.
وقد وجدت كلتا الدراستين أن الخطر كان يقتصر في الغالب على النساء بعد انقطاع الطمث اللواتي أصبن بنوع من سرطان الثدي الذي يحفزه هرمون الاستروجين، ويسمى سرطان الثدي الإيجابي مستقبلات الاستروجين. ولم يكن هناك خطر متزايد من أنواع أخرى من سرطان الثدي التي تعتمد على عوامل النمو الأخرى (مثل سرطان الثدي الإيجابي HER2).
ولكن نظراً لتصميميهما، استنتجت الدراستان فقط أن هناك ارتباطاً بين استهلاك الحليب وسرطان الثدي – لم تتمكنا من إثبات أن شرب الحليب يسبب السرطان. وقد أخذ مؤلفو الدراستين في الاعتبار الأسباب الأخرى المعروفة لسرطان الثدي التي قد تفسر نتائجها، مثل عمر المرأة عند دورتها الشهرية الأولى وانقطاع الطمث، واستهلاك الكحول. لكن المؤلفين لا يزالون غير قادرين على استبعاد جميع التفسيرات المحتملة الأخرى لنتائجهم. إذن ما مدى أهمية الحليب كسبب لهذا النوع من سرطان الثدي؟
ولفهم سبب احتمال زيادة حليب البقر من خطر الإصابة بسرطان الثدي الإيجابي لمستقبلات هرمون الاستروجين، من المهم إلقاء نظرة على الدراسات البيولوجية، والتي يمكن أن تساعدنا في معرفة الآليات التي تحدث في الجسم. إن حليب البقر يحتوي بشكل طبيعي على المنشطات لنمو الخلايا وانقسامها. هذه المنشطات تعمل في الجسم عن طريق رفع مستويات عامل نمو يسمى IGF1 (عامل النمو الشبيه بالأنسولين 1). وتشير الدراسات إلى أن المستويات المرتفعة من عامل النمو الشبيه بالأنسولين 1 لدى البشر هي المسؤولة بقوةعن زيادة خطر الإصابة بسرطان الثدي، وهو ما قد يكون سبب ارتباط شرب الحليب بمخاطر أكبر.
ومن المثير للاهتمام أن منتجات الألبان المخمرة (الزبادي والجبن) لم تزيد من خطر الإصابة بسرطان الثدي في أي من الدراسات السابقة. وقد يكون هذا بسبب أن الزبادي والجبن لا يزيدان من مستويات IGF1 في الجسم. قد يكون ذلك لأن العوامل المحفزة لـ IGF1 الموجودة في الحليب تفقد أثناء صنع الجبن والزبادي.
إن IGF1 لا يزيد من خطر الإصابة بسرطان الثدي من تلقاء نفسه. بل أن يتم قدرته على تحفيز نمو الخلايا تتعاظم الى حد كبير بواسطة هرمون الاستروجين. وهذا قد يفسر لماذا أن زيادة استهلاك الحليب في الدراستين يزيد خطر الإصابة بسرطان الثدي الإيجابي لمستقبلات هرمون الاستروجين، ولكن ليس للأنواع الأخرى. قد تكون هناك حاجة إلى كل من الإستروجين و IGF1 لكي تصبح خلايا الثدي سرطانية – وهذا يمكن أن يحدث فقط في الخلايا التي تستجيب للإستروجين وكذلك لـ IGF1.
عوامل الخطر الأخرى
وبالإضافة إلى الحليب، تعمل العديد من العوامل الأخرى التي تزيد من خطر الإصابة بسرطان الثدي أيضاً عن طريق رفع مستويات IGF1 أو الإستروجين في الجسم. فالبدانة ترفع مستويات كل من IGF1 والإستروجين في النساء بعد انقطاع الطمث. كما أن الدورة الشهرية المبكرة وانقطاع الطمث المتأخر وتناول الكحوليات كلها تزيد من مدة وكمية تعرض خلايا الثدي للإستروجين.
ونظراً لأن العديد من عوامل الخطر تؤثر على مستويات هرمون الاستروجين و IGF1، فمن التبسيط للغاية توجيه أصابع الاتهام لسرطان الثدي إلى طعام واحد فقط، مثل الحليب. هناك العديد من العوامل التي تحتاج أن ينظر اليها.. قد يساعد هذا في تفسير سبب احتلال بلجيكا وهولندا ولوكسمبورغ، على سبيل المثال، المراكز الثلاثة الأولى في العالم من حيث الإصابة بسرطان الثدي. إن استهلاك الحليب مرتفع في هولندا، لكنه ليس مرتفعاً بشكل خاص في بلجيكا أو لوكسمبورغ. وبينما ترتفع معدلات السمنةلدى النساء في هذه البلدان، فهي بالتأكيد ليست الأعلى في العالم. كما أن استهلاك الكحول ليس مرتفعاً بينهن بشكل خاص. لذلك من المحتمل أن يكون الجمع بين العديد من عوامل الخطر التي ترفع مستويات هرمون الاستروجين و IGF1 الذي يساهم في ارتفاع معدل الإصابة بسرطان الثدي بشكل خاص في دول البنلوكس.
من المهم بنفس القدر مراعاة عوامل الحماية. حيث يقلل النشاط البدني من خطر الإصابة بسرطان الثدي ويحسن البقاء على قيد الحياة لدى مرضى سرطان الثدي، وهذا مرتبط بخفض مستويات IGF1. ويمكن أن يحمي النظام الغذائي كذلك من ارتفاع مستويات هرمون الاستروجين و IGF1. فبعض الأطعمة تحتوي على مواد تسمى فيتويستروغنز phytoestrogens التي تمنع عمل هرمون الاستروجين. على سبيل المثال، زيت الزيتون البكر الممتاز هو مصدر غني بشكل استثنائي بذلك. قد يفسر هذا أيضاً جزئياً سبب انخفاض خطر الإصابة بسرطان الثدي لدى النساء اللواتي يتناولن نظاماً غذائياً متوسطياً (والذي لا يشمل حليب الأبقار تقليدياً). لذا، ففي حين أن حليب البقر قد يكون عامل خطر للإصابة بسرطان الثدي، فإنه يعمل جنبا إلى جنب مع العديد من عوامل الخطر الأخرى.
ريتشارد هوفمان، محاضر مساعد، الكيمياء الحيوية الغذائية، جامعة هيرتفوردشاير
يتم إعادة نشر هذه المقالة من شبكة The Conversation تحت ترخيص المشاع الإبداعي. قراءة المادة الأصلية.