تستخدم الطيور خرائط مغناطيسية ضخمة للهجرة – ويمكن أن يغطي بعضها العالم بأسره

muratart/Shutterstock

ريتشارد هولاند, جامعة بانجور وديمتري كيشكينيف, جامعة كيلي

في كل عام، تهاجر مليارات من الطيور المغردة آلاف الأميال بين أوروبا وإفريقيا – ثم تكرر نفس الرحلة مرة أخرى، عاماً بعد عام، لتعيش في نفس المكان الذي اختارته في أول رحلة عظيمة لها.

لقد كانت الدقة الملاحيةالرائعة التي أظهرتها هذه الطيور الصغيرة – أثناء سفرها بمفردها فوق البحار العاصفة، وعبر الصحاري الشاسعة، وخلال الظروف القاسية في الطقس ودرجة الحرارة – أحد الألغاز الدائمة لبيولوجيا السلوك.

ونحن نعلم أن هذه الطيور التي تضربها الرياح كثيرًا لدرجة أنها تحيد بشكل كبير من طريق هجرتها قادرة على إعادة تنظيم مسارها ثانية إذا كانت قد نفذت بالفعل هجرة واحدة سابقاً. و هذا يدل على أن قدرات الطيور الملاحية – التي تم بناء بعضها حول الإحساس باتجاه البوصلة – تتضمن آلية للعثور على طريق العودة إلى الوطن من أجزاء من العالم لم يسبق لها زيارتها من قبل.

الآن، وجدت دراستنا الجديدة عن طائر القصب الأوراسي المغرد أن هذه القدرة الرائعة تتضمن “خريطة مغناطيسية” تعمل مثل نظام الإحداثيات البشري. ومن المثير للدهشة أن دراستنا وجدت أن هذه الطيور تفهم المجال المغناطيسي لأماكن تقع على بعد آلاف الأميال وفي منطقة لم يسبق لها زيارتها من قبل – مما يشير إلى أن بعض الطيور يمكن أن تمتلك “نظام GPS عالمياً” يمكن أن يخبرها بكيفية العودة إلى المنزل من أي مكان على الأرض.

الخرائط الذهنية

من المعروف منذ فترة طويلة أن الطيور البالغة تطور نوعاً من الخرائط الملاحية لمساعدتها على الهجرة. وظلت الطريقة التي تقوم الطيور بها بهذا الأمر مثيرة للجدل. وقدتم اقتراح العديد من الإشارات كدليل للطيور المهاجرة – بما في ذلك الروائح، والأشعة تحت الصوتية، وحتى الاختلافات في الجاذبية.

ومع ذلك، فقد أشارت مجموعة من الأدلةإلى أن المجال المغناطيسي للأرض هو أحد الحلول المحتملة لهذا اللغز. لقد تم اقتراح أن العوامل المختلفة للحقل المغناطيسي للأرضيمكن أن تشكل شبكة تتبعها الطيور من خطوط الشمال والجنوب والشرق والغرب.

وذلك لأن كثافة المغناطيسية (قوة المجال المغناطيسي) والميل المغناطيسي (الزاوية المتكونة بين خطوط المجال المغناطيسي وسطح الأرض، وتسمى أيضاً زاوية “الانحدار”) كلاهما يعملان تقريباً من الشمال إلى الجنوب. إن الانحراف المغناطيسي – الفرق بين الاتجاه إلى القطب الشمالي المغناطيسي والقطب الشمالي الجغرافي – يوفر المحور الشرقي الغربي.

وعلى الرغم من الاتفاق إلى حد كبير على أن بعض الطيور تتنقل عبر المجال المغناطيسي للأرض، إلا أن العلماء لم يتوصلوا بالضبط إلى الأجهزة الحسية التي تستخدمها لاكتشاف ذلك – أو ما إذا كانت هناك أنظمة متعددة تستخدم لاكتشاف المعطيات المختلفة للحقل. ويمكن للحيوانات الأخرى، مثل السلاحف، أن تشعر أيضًا بالمجال المغناطيسي، ولكن تنطبق هنا نفس أوجه عدم اليقين.




إقرأ المزيد:
إن الطيور المهاجرة تستخدم خريطة مغناطيسية للسفر لمسافات طويلة


بغض النظر عن ذلك، إذا علمت الطيور أن الكثافة المغناطيسية تزداد كلما اتجهت شمالاً، فيجب أن تكون قادرة على اكتشاف موقعها على المحور الشمالي الجنوبي أينما كان. وبالمثل، إذا واجهوا قيمة انحراف أكبر من أي شيء مرت به سابقاً، فيجب أن تعلم أنها في أقصى الشرق. وعلى هذا الأساس، فإن النظرية هي أنه يمكنها حساب موقعها على الشبكة وتصحيح اتجاهها.

وهذا يعني أن الطيور تتنقل أساساً باستخدام نظام مشابه لإحداثياتنا الديكارتية – أساس نظام الملاحة GPS الحديث. وإذا كانت نظرية الإحداثيات هذه دقيقة، فهذا يعني أن الطيور يجب أن تكون قادرة على استخدام معرفتها بمعطيات المجال المغناطيسي لتقدير موقعها في أي مكان على الأرض – من خلال استقراء أو توسيع قواعد الملاحة الخاصة بها.

ومع ذلك، لا يوجد حتى الآن دليل واضح على أن الطيور يمكنها استخدام المجال المغناطيسي بهذه الطريقة. لكن دراستنا الجديدةعن طائر القصب الأوراسي المغرد المهاجر – أو Acrocephalus scirpaceus – هو أول من أظهر دليلاً واضحاً على أنه بإمكانه فعل ذلك في الواقع.

الشمال غير صحيح

ولإثبات نظرية الإحداثيات ، استخدمنا تقنية تسمى “الإزاحة الافتراضية virtual displacement”. لقد اختبرنا سلوك توجيه الطيور من خلال وضعها في قفص صغير يسمى “قمع إملين Emlen funnel”. فعندما يحاول طائر الطيران من القفص، فإنه يترك خدوشاً في الاتجاه الذي يحاول الطيران نحوه.

من اللافت للنظر أننا وجدنا أن هذا يتوافق مع الاتجاه الذي ستحاول فيه الهجرة في البرية، وهو ما نعرفه من التجارب السابقة. ولاختبار ما إذا كانت الطيور ترسم مسارها من الإقلاع باستخدام الحقول المغناطيسية، وضعنا قمع إملين (Emlen funnels) داخل “لفائف هيلمولتز Helmholtz coil” – وهو الجهاز الذي يسمح لنا بتغيير طبيعة المجال المغناطيسي في المنطقة المجاورة مباشرة للطير.

ومن خلال القيام بذلك، نكون قد أنشأنا إزاحة افتراضية. الطائر لا يتحرك: لقد تم الاختبار في الموقع حيث تم التقاطه، مع بقاء جميع المتغيرات الأخرى كما هي – باستثناء المجال المغناطيسي، الذي قمنا بتغييره لمطابقة موقع بعيد إلى الشمال الشرقي من نطاقه الطبيعي. لقد اخترنا الموقع بحيث يكون بعيداً عن أي مجال مغناطيسي قد كان قد اختبره الطائر المغرد سابقاً.

فقط إذا كانت الطيور قادرة على رسم خريطة لموقعها بناءً على المجال المغناطيسي من حولها، فسوف تتعرف على إزاحتها – وقد فعلت ذلك بالفعل، حيث قامت بتحويل إقلاعها للطيران في الاتجاه “الخاطئ” في العالم الحقيقي، ولكنه الاتجاه “الصحيح” في العالم المغناطيسي الذي أنشأناه حول Emlen funnels الخاصة بهم.

الحدس

في حين أن هذا المؤشر قد يكون مناسباً لطيور القصب الغردة والطيور الأخرى المهاجرة ، إلا أنه ليس بأي حال نظام الملاحة الوحيد الذي تستخدمه الطيور. فقد تبين أن الطيور الأخرى، بما في ذلك الطيور البحرية والحمام الزاجل، تتطلب إشارات شمية (روائح و روائح مميزة) للتنقل. في هذه المرحلة، نحن لا نفهم السبب وراء هذه التفضيلات المختلفة.

وعلى الرغم من اقترابنا من فهم لغز كيفية تنقل الطيور باستخدام الإشارات المغناطيسية، لا يزال الأمر غامضاً فيما يتعلق بكيفية استشعارها للمجال المغناطيسي. لقد تم اقتراح أن الطيور تستشعر القيم المغناطيسية من خلال جزيء حساس للضوء يسمى كريبتوكروم (cryptochrome)، أو من خلال الخلايا الحسية التي تحتوي على جزيئات أكسيد الحديد المغناطيسي – ولكن لم يتم تقديم دليل قاطع على أي منهما حتى الآن.

ومع ذلك ، تستمر الأدلة السلوكية في التأكيد على أهمية المجال المغناطيسي للأرض في مساعدة بعض الطيور على القيام برحلاتها الملحمية للتكاثر كل عام – مما يوفر نظام تحديد المواقع العالمي الذي قد يوفر للطيور خريطة ملاحية كاملة للعالم.المحادثة

ريتشارد هولاند، أستاذ في السلوك الحيواني، كلية العلوم الطبيعية، جامعة بانجور وديمتري كيشكينيف،محاضر في السلوك الحيواني وعلم الأعصاب السلوكي، جامعة كيلي

يتم إعادة نشر هذه المقالة من شبكة The Conversation تحت ترخيص المشاع الإبداعي. قراءة المادة الأصلية.

%d bloggers like this: