قد يعاني الأشخاص المصابون بالاكتئاب أحياناً من مشاكل في الذاكرة – وإليك السبب

يؤثر الاكتئاب على ذاكرتنا قصيرة المدى.
Lightspring / Shutterstock

سينثيا فو، جامعة شرق لندن

على الرغم من أننا نربط الاكتئاب في كثير من الأحيان بمزاج منخفض، والتعب ومشاعر اليأس، إلا أنه من غير المعروف جيداً أن بعض الأشخاص المصابين بالاكتئاب قد يعانون من مشاكل في ذاكرتهم – مثل الشعور بالنسيان أكثر من المعتاد. وعلى الرغم من عدم مناقشة مشاكل الذاكرة على نطاق واسع مثل الأعراض الأخرى، فإننا نعلم أن الإعاقات المعرفية شائعة في الاكتئاب. في الواقع، قد يعاني منها ما يصل إلى ثلاثة من كل خمسة أشخاص ممن يعانون من الاكتئاب. يُعتقد أن مشاكل الذاكرة هذه مرتبطة بالتغيرات في بنية ووظيفة دماغنا والتي تحدث بسبب الاكتئاب.

ويمكن أن تحدث مشاكل الذاكرة عندمايبدأ الاكتئاب لأول مرة، ويمكن أن تستمر حتى عندما تتحسن أعراض الاكتئاب الأخرى. وعادة، ذاكرتنا العاملة هي التي تتأثر. وهذه هي الذاكرة قصيرة المدى التي نستخدمها لتذكر الأشياء بفاعلية من لحظة إلى أخرى – والمشكلات المتعلقة بها يمكن أن تجعل من الصعب التركيز أو اتخاذ القرارات. في الواقع، غالباً ما تتأثر العديد من الوظائف المعرفية، مثل وقت الاستجابة والانتباه والتخطيط واتخاذ القرار والاستدلال. كما أن الاكتئاب يجعل من الصعب على دماغنا التبديل بين المهام وكبح ما يمكن أن يكون استجابات غير متوقعة.

يمكن أن تختلف شدة مشاكل الذاكرة من شخص لآخر. لكن بعض الأبحاث تُظهر أن الإعاقات المعرفية تميل إلى أن تكون أصغر في الحلقة الأولى من الاكتئاب، بينما شوهدت مشاكل ذاكرة أسوأ مع أعراض اكتئاب أكثر حدة ونوبات متكررة من تدني المزاج. ويمكن أن تستمر هذه التأثيرات على الذاكرة حتى عندما تكون أعراض الاكتئاب قليلة أو معدومة.

هيكل ووظيفة الدماغ

يرتبط الاكتئاب بالتغيرات المنتشرة في بنية الدماغ ووظيفته – بما في ذلك في قشرة الفص الجبهي ، وجزء الدماغ المرتبط بالذاكرة hippocampus، وكتلة المادة الرمادية في الدماغ المرتبطة بالمشاعر amygdala. وتشارك هذه المناطق في جميعها في الإدراك، والوظيفة التنفيذية (مثل التخطيط، وصنع القرار، والمنطق)، ومعالجة المشاعر.

وترتبط هذه المناطق ببعضها البعض عبر الدوائر العصبية، وتقوم بإرسال واستقبال الرسائل من بعضها البعض، لذا فإن المشاكل في منطقة ما ستؤثر على المناطق الأخرى. والدوائر العصبية المسؤولة عن الإدراك ومعالجة المشاعر تتداخل مع تلك التي تتحكم في أنظمة الاستجابة للضغط. لذلك يمكن أن تؤدي فترات التوتر الشديد أيضاً إلى إضعاف الوظيفة الإدراكية وتفاقم الحالة المزاجية

ويمكن أن يكون للتغييرات في مناطق الدماغ هذه التي تظهر في الاكتئاب تأثير كبير على مدى جودة عمل دماغنا أثناء مهام الذاكرة. فعلى سبيل المثال، الأشخاص المصابون بالاكتئاب غالبًا ما يكون لديهم hippocampus أصغر، وكان لديهم نشاط متزايد يمتد من قشرة الفص الجبهي أثناء مهمة الذاكرة العاملة حيث طُلب منهم تذكر أحرف معينة. وهذا يعني أن أدمغة الأشخاص الذين يعانون من الاكتئاب كان عليها أن تعمل بجدية أكبر أثناء مهمة الذاكرة من خلال توظيف مساعدة مناطق دماغية إضافية لأداء نفس مستوى المشاركين الذين لم يعانوا من الاكتئاب.

رسم متحرك لـ hippocampus داخل دماغ الإنسان.
كان hippocampus (وهو مهم للتعلم والذاكرة) أصغر لدى الأشخاص المصابين بالاكتئاب.
SciePro / Shutterstock

تستخدم الدوائر التي تربط الإدراك (بما في ذلك الذاكرة) والعاطفة رسلاً كيميائياً – مثل السيروتونين والدوبامين والنورادرينالين والغلوتامات – التي تسمح للخلايا العصبية في مناطق الدماغ هذه بالتواصل مع بعضها البعض. ونظراً لأن أنظمة مراسلة الدماغ تتفاعل باستمرار مع بعضها البعض، فإن التغييرات داخلها تعني أن الخلايا العصبية لدينا قد تكون أقل قدرة على التواصل مع بعضها البعض. قد يؤثر هذا أيضاً على كيفية عمل ذاكرتنا.

الذاكرة العاملة

هذا لا يعني أنه لا تزال هناك أشياء كثيرة يمكن للشخص الذي يعاني من الاكتئاب القيام به لتحسين ذاكرته.

على سبيل المثال، تبين أن ممارسة التمرينات تفيد الذاكرة العاملة وسرعة المعالجة والانتباه. يُعتقد أن التمرين يطلق رسل الدماغ (بما في ذلك السيروتونين والدوبامين) ويزيد من التنشيط في قشرة الدماغ. وكلاهما يزيد من نمو الخلايا العصبية الجديدة ولدونة الدماغ (قدرة الدماغ على التغيير والتكيف والنمو). كل هذا مهم للذاكرة الجيدة.

وتُظهر العلاجات بالكلام أيضاً نشاطاً متزايداً في قشرة الفص الجبهي، والذي يمكن ربطه بتحسين الاستجابة والمرونة، وكلاهما من الجوانب المهمة للإدراك والمزاج. كما يمكن لبرامج التدريب المعرفي – مثل التمارين أو الألعاب المعرفية، التي يتم إجراؤها عادةً على الكمبيوتر – أن تحسن الذاكرة العاملة والانتباه.

وفي بعض الحالات، يمكن أن تساعد مضادات الاكتئاب على تحسين الذاكرة العاملة. مضادات الاكتئاب الأكثر شيوعاً، مثبطات امتصاص السيروتونين الانتقائية (SSRI) ومثبطات امتصاص السيروتونين والنورادرينارجيك (SNRI)، ترتبط كذلك بالتحسينات في التخطيط واتخاذ القرار والاستدلال – على الرغم من أن هذه النتائج مختلطة، وقد لا تعمل بشكل جيد مع كبار السن. كما أن علاجات جديدة لتحفيز الدماغ، والتي تؤثر على كيفية إرسال الخلايا العصبية للإشارات، ارتبطت أيضًا بالتحسينات في الوظائف المعرفية.

يمكن أن تكون مشاكل الذاكرة من الأعراض الشائعة للاكتئاب ويمكن أن يكون لها تأثير خطير على حياتنا اليومية، بما في ذلك مدى جودة أدائنا في العمل وعلاقاتنا مع الآخرين. وهذا هو السبب في أنه من المهم النظر في مشاكل الذاكرة جنباً إلى جنب مع الأعراض الأساسية الأخرى للاكتئاب – مثل الحالة المزاجية السيئة – لتحسين العلاج ومنع التكرار.المحادثة

سينثيا فو، أستاذة علم الأعصاب العاطفي، جامعة شرق لندن

يتم إعادة نشر هذه المقالة من شبكة The Conversation تحت ترخيص المشاع الإبداعي. قراءة المادة الأصلية.

%d bloggers like this: